14 يناير 2014

دستور مصر - نظام الحكم

لا يعتبر باب نظام الحكم من الأبواب التي تثير جدلاً في دستور مصر، لا دستور 2014 و لا حتى دستور 2012. هناك شبه اتفاق تام على أن الأنسب لمصر هو نظام شبه رئاسي على غرار النظام الفرنسي، حيث يتم انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب و يقابله رئيس وزراء و حكومة تستمر في عملها طالما حظيت بثقة البرلمان.

على عكس أبواب الحقوق و الحريات و المقومات الأساسية و مواد هوية الدولة و المواد الخاصة بالمؤسسة العسكرية، بل و حتى تطبيق العزل السياسي من عدمه، فإن هذا الباب لا يتم التطرق إليه إلا من باب الفخر بمقدرة كل جمعية تأسيسية على "تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية".

سأحاول هنا الحديث عن لماذا أعتبر أن هذا الباب من الدستور هو أهم الأبواب و عن سبب رفضي للنظام شبه الرئاسي و توقعي بأن يكون السبب في إسقاط النظام القادم أو الدستور بأكمله.

قبل الحرب العالمية الأولى، لم تعرف الأنظمة الديمقراطية إلا نظامين، رئاسي و برلماني، في الأول يتولى رئيس الجمهورية منصب رئاسة الدولة و رئاسة الحكومة بينما في الثاني يتولى رئيس شرفي أو ملك منصب رئاسة الدولة و يتولى رئيس للوزراء رئاسة الحكومة و يكون مسؤولاً أمام برلمان منتخب من الشعب، و لا يمارس رأس الدولة في تلك الحالة أي سلطة تنفيذية.

بداية، ليس هناك نظام أفضل من الآخر، فلكل منهما مزاياه و عيوبه كذلك و ليس الذكاء هو اختيار النظام المناسب لطبيعة البلد فقط، بل الذكاء بداية هو معرفة أنه أيا كان الاختيار فهو يحمل معه ثمناً لابد من دفعه.

مميزات النظام الرئاسي:
  1. فصل تام بين السلطات.
  2.  يستطيع الرئيس اختيار فريقه المعاون من الوزراء لتطبيق برنامجه بحرية دون الحاجة لإجراء مواءمات في حالة عدم فوز حزبه بأغلبية مقاعد البرلمان.
  3.  يتم اختيار الرئيس، الموظف التنفيذي الأعلى، مباشرة من الشعب.
  4.  يستطيع نواب البرلمان من حزب الرئيس اتخاذ مواقف مستقلة بحرية أكبر دون الخوف من إسقاط الحكومة و دون الخوف من تلويح الرئيس بوضع موضوع المناقشة كتصويت لسحب الثقة.

عيوب النظام الرئاسي:
  1. شخصنة النظام السياسي في رئيس الدولة.
  2.  قد تحدث حالة من الشلل السياسي في حالة كان الرئيس من حزب مخالف للأغلبية البرلمانية.
  3.  عدم إمكانية المحاسبة السياسية للرئيس أو أي من وزرائه، و يتم الاكتفاء فقط بحق البرلمان في تقرير مسؤوليته الجنائية إذا ارتكب جناية أثناء ولايته، و هذا يعني خضوع الوزراء للرئيس فهو من يملك تعيينهم و عزلهم.
  4.  بانتهاء ولاية الرئيس، يخرج فريقه السياسي بالكامل تقريبا، و يحل محلهم آخرون مع الرئيس الجديد و هذا يعني فقدان ميزة تراكم الخبرات السياسية.
  5. النظام الرئاسي يجعل هناك حالة من الصراع الصفري فمكسب طرف يعني خسارة آخر حيث لا يوجد سوى فائز واحد فقط.
  6.  تكون هناك فترة في نهاية الولاية الثانية للرئيس حيث يدرك جميع من يعمل في الجهاز التنفيذي للدولة إن الحكومة راحلة و تنفك قبضتها المسيطرة إلى حد ما.

مميزات النظام البرلماني:
  1. تقليل إمكانية الصراع الصفري حيث يمكن لعدد من الأحزاب الفوز بمقاعد في البرلمان و ربما المشاركة في ائتلاف حاكم.
  2.  أعضاء الحكومة يتم اختيارهم من نواب البرلمان و هذا يعني تمتعهم بخبرات سابقة.
  3.  يمكن تغيير رئيس الحكومة في حالة فشله دون إسقاط النظام بأكمله.
  4.  يستطيع رئيس الوزراء اتخاذ بعض القرارات الصعبة المثيرة للجدل بوضع القرار كتصويت بسحب الثقة، في حالة رفضه تسقط الحكومة فيجبر أعضاء ائتلاف الأغلبية على التصويت لمصلحته.

عيوب النظام البرلماني:
  1. عدم وجود فصل بين السلطات.
  2.  إذا حصل حزب ما على أغلبية برلمانية أكثر من 50% فإنه يسيطر على البلاد لحين الانتخابات التالية، و تكون تلك السيطرة تامة إن كان النظام السياسي ذا غرفة برلمانية واحدة.
  3.  في حالة عدم حصول حزب على أغلبية مطلقة يضطر لتكوين تحالف يجعله لا يستطيع تطبيق برنامجه بالكامل، و تزداد المشكلة سوءا في حالة دخول عدد كبير من الأحزاب للبرلمان و اضطرار رئيس الوزراء لتكوين ائتلاف كبير ما يضيع المسؤولية السياسية بينهم و لا يستطيع الناخب تقرير أي من تلك الأحزاب مسؤول عن الفشل.
  4.  يخضع النواب لرؤساء أحزابهم، خصوصا نواب حزب (أحزاب ائتلاف) الأغلبية، فسقوط الحكومة قد يُسقِط البرلمان نفسه و يُفقدهم مناصبهم.
  5.  يمكن نظرياً تغيير الحكومة، لكن التجربة العملية أثبتت إن حكومات الأغلبية نادراً ما يتم سحب الثقة منها.
  6.  قد يظل رئيس الوزراء لفترة طويلة في السلطة إذا استمر الشعب في انتخاب حزبه، و قد يدفعه هذا لمحاولة اكتساب مزيد من السلطات مثل أردوجان في تركيا.


رغم هذا التقسيم كمميزات و عيوب إلا أنه يجب ملاحظة أن بعض تلك النقاط يمكن أن تنتقل للخانة المضادة إذا لم يتم تصميم النظام بصورة جيدة، فمثلا قدرة رئيس الوزراء على تمرير قرار بوضعه كتصويت لسحب الثقة يمكن استغلاله لتمرير قرارات سلطوية (ديكتاتورية) تحت سيف تهديد النواب بحل البرلمان حالة عدم تمرير القرار، و كذا الفصل بين السلطات في النظام الرئاسي يمكن أن يتحول لحالة من الشلل السياسي إذا وُجِدت حالة من العناد المتبادل بين السلطتين التنفيذية و التشريعية.

يجب أن نعرف هنا السياق التاريخي لنشأة النظام البرلماني، الذي بدأ من المملكة المتحدة و انتقل منها لباقي دول العالم، فهذا النظام فرضته الضرورة هناك، حيث لم يكن من الممكن وجود حكومة ديمقراطية مسؤولة أمام الشعب أو ممثليه و استمرار وجود الملك أو الملكة في ظل أي نظام آخر، فلا يمكن وجود رئيس و ملك مثلا في نفس الوقت، و بالتالي كان النظام البرلماني هو الخيار الوحيد بصرف النظر عن مثاليته من عدمها.
أغلب تلك الدول التي تطبقه بنجاح هي دول ملكية أو امبراطورية كالسويد و هولندا و إسبانيا و اليابان و هذا يعني وجود شخصية يستحيل معها أن يفكر الحزب الحائز على الأغلبية البرلمانية من الانفراد بالبلاد تماما حيث تظل مكانة الملك محفوظة في نفوس الشعوب، و يضمن كذلك عدم تعرض البلاد لانتكاسة ديمقراطية إذا أتت الانتخابات ببرلمان مفتت.
و حتى الجمهوريات التي تطبقه كألمانيا و إيطاليا كانت تحت رقابة الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الذين لم يكونوا ليسمحوا بظهور هتلر أو موسوليني من جديد.
و لنا عِبرة في الجمهورية التركية حاليا حيث يسعى أردوجان جاهدا لتمرير دستور جديد يسمح له باستمرار التواجد في السلطة عبر تحويل البلاد للنظام شبه الرئاسي.
باختصار النظام البرلماني في ظل نظام جمهوري هو خطوة محفوفة بالمخاطر.


هنا قد يتبادر للذهن إن أفضل نظام هو الذي يتلافى عيوب أحد النظامين بدمج مميزات الآخر، و لكن الأمور ليست بهذه البساطة إذ أن جعل رئيس الوزراء و أعضاء الحكومة مسؤولين أمام البرلمان مثلا يعني فقدان رئيس الجمهورية القدرة على تنفيذ أي من وعوده الانتخابية في حالة كانت الأغلبية البرلمانية من حزب معارض، كما إن تحجيم الشلل الناتج عن اختلاف الرئيس و البرلمان لا يعني انتهاءه بل يعني انتقاله من صراع بين سلطتين إلى صراع داخل السلطة الواحدة و قد يتحول إلى صراع شخصي بين الرئيس و رئيس الوزراء.

ما هو النظام شبه الرئاسي؟
هو نظام يجمع بين خاصيتين:
  1. رئيس منتخب مباشرة من الشعب.
  2.  في مقابل هذا الرئيس يوجد رئيس وزراء و حكومة مسؤولين أمام البرلمان و لا يفقدون مناصبهم طالما ظلوا متمتعين بثقة البرلمان.

يمكن أن يؤدي تطبيق النظام شبه الرئاسي إلى وضع من ثلاثة:
  1. رئيس و أغلبية برلمانية من نفس الحزب.
  2.  رئيس و برلمان مفتت دون أن يمتلك أي حزب أغلبية كافية لتشكيل الحكومة.
  3. رئيس من حزب و أغلبية برلمانية من حزب آخر معارض.

إذا كنا أمام الحالة الأولى فسنكون أمام رئيس يتمتع بسلطات أقوى من تلك التي يمتلكها رئيس في ظل نظام رئاسي. دعنا من الأحلام الرومانسية بأن رئيس الوزراء سيكون مستقلاً عن الرئيس لأن الأخير لا يملك عزله، فهذا لا يحدث في روسيا مثلا و لا يحدث في فرنسا أيضا حيث تطبق الحكومة اليسارية برنامج الرئيس اليساري أولاند (هل تذكر ضريبة الـ 75% على من يزيد دخله على مليون يورو سنويا؟ هل كانت في برنامج الرئيس أم رئيس الوزراء؟)

أما الحالة الثانية فهي الطريق التي سلكتها دولة من أوائل الدول التي طبقت ذلك النظام، و هي جمهورية فايمار (ألمانيا 1919-1933) و انتهت بسقوط النظام بعد تجربة مريرة من حكومات ائتلافية لم تصمد إحداها كثيرا لينتهي الحال بالدولة في قبضة الحزب النازي، و نفس الحالة تكررت في عهد روسيا يلتسين حيث لم يتمتع حزبه و لا أي حزب معارض بأغلبية في البرلمان فكانت الاضطرابات و تغيير الحكومة السمة الرئيسية لعهده.

الحالة الأخيرة، و رغم إنها تبدو جذابة على الورق حيث يحدث نوع من التوازن بين سلطات الرئيس و رئيس الوزراء إلا إنها كانت من أصعب الفترات التي مرت على فرنسا التي عايشتها مرتين، و الطريف إن المرتين كان جاك شيراك طرفا فيهما، الأولى حين تولى رئاسة الوزراء في ظل رئاسة فرانسوا ميتران و الثانية حين صعد ليونيل جوسبان إلى منصب رئيس الوزراء في ظل رئاسته هو شخصيا. هذه الحالة التي اصطلح الفرنسيون على تسميتها "التعايش" أدت بالفرنسيين لتعديل الدستور في عام 2000 لقصر ولاية الرئيس على خمس سنوات و إجراء الانتخابات البرلمانية في نفس عام الانتخابات الرئاسية لأن الأمور لا تسير جيدا في ذلك الوضع و لتظل فرنسا عمليا بصفة شبه دائمة في الاحتمال الأول، رغم عدم استبعاد الاحتمالات الأخرى تماما.

و رغم إن فرنسا -و هي الدولة العريقة ديمقراطيا و التي تنخفض احتمالات تحولها لدولة سلطوية كثيرا عن مصر- قد وصلت لهذه القناعة بأنه لابد من إجراء انتخابات البرلمان بفاصل زمني بسيط بعد انتخابات الرئاسة، إلا أن واضعي الدستور المصري الذين أكدوا مرارا أنهم استرشدوا بالدستور الفرنسي في باب نظام الحكم تحديدا قد أتوا إلينا بالنسخة الأصلية من ذلك الدستور حيث مدة الرئيس في دستورنا 4 سنوات مقابل 5 سنوات للبرلمان (في فرنسا قبل عام 2000 كانت مدة الرئاسة 7 سنوات مقابل 5 للبرلمان) دون النظر لنتائج التجربة الفرنسية و التعديلات التي أُدخِلت عليها بمرور الزمن بعد تجربتها على أرض الواقع.


لكن حتى بفرض أننا استنسخنا النظام الفرنسي على هيئته الحالية، فهل هذا ما كانت تحتاجه مصر فعلا؟

الإجابة في رأيي، لا.
لم تكن مصر في حاجة لا لنظام نصف رئاسي و لا لوجود رئيس وزراء من الأساس، و في رأيي إن النظام الأفضل لمصر هو نظام رئاسي على غرار النموذج الأمريكي.

لقد كان عندنا في مصر رؤساء للوزراء منذ ثورة يوليو، فماذا فعلوا؟
لا شيء!!

و ليست المشكلة فقط في كون الرئيس هو من يملك وحده حق تعيينهم و عزلهم، فرغم إن البرلمان لم يكن يملك سحب الثقة من أي من الوزراء إلا أن المهتمين بالسياسة ما قبل ثورة يناير يعلمون جيدا انتشار ظاهرة "نائب الخدمات" الذي يستطيع كسب أصوات دائرته عن طريق الحصول على توقيعات من الوزراء لتسهيل بعض أمورهم مثل علاج على نفقة الدولة أو تعيين أبنائهم في وظائف و غيرها.
هذا كان يفعله الوزير لعضو البرلمان في ظل أن هذا الأخير لا يملك سحب الثقة منه، فما بالنا بما سيحدث حين يملك النائب بالفعل هذا الحق؟؟

إن التصور السائد بأن رئيس الجمهورية كان يُصدر ما يشاء من قرارات و قوانين دون الرجوع للوزير المسؤول هو تصور خاطئ، فأي شخص عمل بالحكومة يعلم جيداً أنه لم يصله أبدا أي قرار جمهوري، بل كان يصله قرار من رئيسه المباشر به إشارة للقرار الجمهوري، و إنه لو وصله قرار من رئيس الجمهورية شخصيا يجب عليه أن يرفض تنفيذه ما لم يتضمن توقيع رئيسه المباشر. هذا يعني إن توقيع الوزير كان ضروريا لسريان معظم القرارات (باستثناء أعمال السيادة كعقد معاهدة مع دولة أجنبية مثلا)، بل و حتى الاتفاقيات التي يتم إبرامها مع دول أجنبية كانت نشرات الأخبار تتناقل صورا لرئيسي الدولتين يقفان في الخلفية بينما يقوم الوزراء المعنيون بالتوقيع. دعك من كل هذا و أخبرني لماذ يُحاسب حبيب العادلي في قضية قتل المتظاهرين و سامح فهمي في قضية تصدير الغاز إذا كان رئيس الجمهورية هو من يُصدر القرارات و هم لا يملكون حق الاعتراض؟

إن أي وزير كان يثبت فشله في منصبه بصورة تحرج النظام كان يتم الإطاحة به مباشرة، مثل وزراء النقل عقب حوادث القطارات المختلفة، دون وجود ما يُلزِم رئيس الجمهورية بذلك، لأن في استمرارهم خطر على وجوده هو و نظامه. المشكلة كانت في إثبات فشل هؤلاء الوزراء أو كشف فسادهم و هو ما لن يحدث في مصر إذا كانت الحكومة تُشكل من أغلبية البرلمان، بل و نادرا ما يحدث في أعرق الدول الديمقراطية، و كلنا رأينا ما حدث في ظل حكم محمد مرسي، حيث كان يدعي حزب الحرية و العدالة إنه غير موافق على استمرار الحكومة و يُطالب رئيس الدولة بإقالتها، و حتى إن كانت تلك التصريحات صحيحة و ليست مناورة سياسية-و هو ما لا أعتقده- فهذا لا يعني إلا التهرب من المسؤولية بالإتيان بحكومة غير محسوبة على الحزب للتخلص منها في حالة فشلها دون الإضرار بالحزب نفسه.

إن الإصرار على "تقليص" صلاحيات الرئيس و اعتبار ذلك من الإنجازات، ما هو إلا قنبلة موقوتة مستعدة للانفجار في أي لحظة. إن رئيس الجمهورية الذي يعد الجماهير بالأحلام و حين يصل إلى كرسي الرئاسة يكتشف عدم قدرته على تحقيق معظمها سيلجأ إلى أساليب غير دستورية لمحاولة تقديم أي إنجاز قبل حلول موعد الانتخابات التالية. حدث هذا في روسيا يلتسين، و على أفضل الافتراضات سيؤدي إلى لجوء الرئيس لتعديل الدستور لضمان حصوله على أغلبية برلمانية مثلما حدث في فرنسا و حدث في روسيا أن تم رفع الحد الأدنى للتمثيل في البرلمان لضمان عدم تفتيته، لكن الوضع في مصر سيكون أصعب في ظل نظام المجلس النيابي الواحد الذي أقرته لجنة الدستور، ما يعني إنه لا توجد وسيلة لإعطاء الرئيس أغلبية برلمانية لتطبيق برنامجه دون تسليم حزب واحد الدولة بأكملها!

إن حتى تقليص الصلاحيات الذي يتم الحديث عنه مجرد كلام على الورق و أغلبه من الممكن جدا أن يعمل في الاتجاه العكسي
  1. لرئيس الجمهورية حق تعيين 5% من أعضاء مجلس الشعب، و إذا علمنا إنه على الأرجح سيأتي الرئيس من أحد الأحزاب الممثلة في البرلمان، فهذا سيعني إن حزبه سيحصل -و يظل محتفظا- بالأغلبية البرلمانية، أو على الأقل سيمنع أي حزب آخر من الحصول على تلك الأغلبية، حيث سيحتاج أي حزب للحصول على 52.63% لكي تتحول تلك النسبة بعد تعيينات الرئيس لـ 50%.
  2.  يسمح الدستور نظريا بمحاسبة رئيس الجمهورية بطريقتين، الأولى محاكمة على تهمة الخيانة العظمى أو مخالفة الدستور أو أي جناية أخرى (مادة 159) و الأخرى عبر عرض سحب الثقة في استفتاء (مادة 161) و رغم إن هاتين المادتين رائعتان من الناحية النظرية إلا إن دستور 1971 كان يتضمن مادة مماثلة للمادة 159 التي توجب محاكمة الرئيس بتهمة الخيانة العظمى و تشترط نفس ما يشترطه دستور 2014 من ضرورة موافقة ثلثي الأعضاء. إن هذه النسبة شبه مستحيل الحصول عليها إلا إن كان الرئيس مذنبا بالفعل و يعلم الجميع ارتكابه للذنب (مثل ريتشارد نيكسون) و حتى في هذه الحالة قد ينجو من ذلك التصويت (مثل بيل كلينتون)، ثم ما الداعي للمادة 161؟؟ هل سيحاول النواب سحب الثقة من رئيس الجمهورية في غير الحالات المذكورة في المادة 159؟؟ إذا ارتكب رئيس الجمهورية واحدة من تلك المخالفات فأمامهم المادة 159 التي تعفيهم من احتمال حل البرلمان حال براءة رئيس الجمهورية و إذا تمت البراءة بالفعل فهل سيخاطرون باللجوء للمادة 161 بعد ثبوت براءة الرئيس و ما يتبعها من ارتفاع نسبي في شعبيته؟؟ أما إن كانت حالة أخرى فما هي تلك الحالة التي تقتضي ذلك و سيوافق عليها الشعب غير الخيانة العظمة و مخالفة الدستور و ارتكاب جريمة جنائية؟ لست أدري في الحقيقة إلا إنها إحدى تلك المواد التي يتم وضعها لمجرد التفاخر بأن بإمكاننا سحب الثقة من الرئيس!
  3.  يضع رئيس الجمهورية بالاشتراك مع مجلس الوزراء السياسة العامة للدولة (مادة 150) و هنا أصل مشكلة ذلك النظام. ماذا لو كان توجه الرئيس السياسي مخالف لتوجه الحكومة؟ لا أحد يدري ما العمل.
  4.  لمجلس النواب حق سحب الثقة من الوزراء (مادة 131)، ماذا لو قرر مجلس الوزراء سحب الثقة من وزير الدفاع أو الداخلية أو الخارجية أو العدل؟؟ و هم من أعطى الدستور سلطة تعيينهم لرئيس الجمهورية (مادة 146)؟؟ على الأرجح ستتولى المحكمة الدستورية تفسير تلك المادة بعد صراع لا داع له بين الرئيس و البرلمان و إذا كان قرارها بعدم أحقية البرلمان في ذلك فها قد ضاعت قدرة البرلمان على محاسبة وزير الداخلية، الذراع الأمني لأي نظام، أما إن قررت المحكمة الدستورية أحقية البرلمان في سحب الثقة، فمرحبا بدخول القوات المسلحة حلبة الصراع بين الأحزاب السياسية!


هناك الكثير من الفِخاخ الموجودة في الدستور مما لا يتسع له المقام، و مما لا يستطيع شخص بمفرده حصره. يكفي فقط الإشارة للمادة 234 الخاصة بتحصين منصب وزير الدفاع لفترتين رئاسيتين كاملتين. هذه المادة وحدها بها مشكلتين
  1. في حالة عدم اكتمال إحدى المدد الرئاسية لأي سبب، كالوفاة أو الاستقالة أو غيرها، لا تحتسب تلك المدة.
  2.  يدعي الكثيرون إن تلك المادة لا تمنع عزل وزير الدفاع، فقط تسري في حالة تعيين آخر، لكن على أرض الواقع هذا غير صحيح. لكي يستطيع رئيس الجمهورية تغيير وزير الدفاع، ينبغي أن يكون استقر على خليفته و أبلغه بهذا قبل أن يعزل الآخر. القوات المسلحة لا تحتمل أن تبقى بلا قائد عام لبضع ساعات يجلس الرئيس ليفكر من يختار أو يتصارع قادة القوات المسلحة لنيل رضا الرئيس عنهم. فإذا كان الأمر كذلك فحتما ينبغي أن يوافق المجلس الأعلى على قراري العزل و التعيين في نفس الجلسة. نظريا المادة تعطي الرئيس حقاً لكنه عملياً لن يستطيع ممارسة هذا الحق أبداً.


إن النظام السياسي الأمريكي تم تنفيذه بعبقرية يُحسد واضعوه عليها، و حتى لو لم تأخذ مصر بالنظام الرئاسي فإن نظرة على نقطة واحدة في ذلك النظام توضح كيف يتم التخطيط لوضع نظام يتيح مرونة سياسية كبرى لإمكانية التغيير دون اللجوء لأساليب غير ديمقراطية.
تلك النقطة هي مواعيد الانتخابات
يتم انتخاب الرئيس الأمريكي كل 4 سنوات، بينما يتم انتخاب الكونجرس (مجلس النواب بالكامل و ثلث مجلس الشيوخ) كل سنتين.
هذا يعني إن الناخب الأمريكي يستطيع تغيير الكونجرس في منتصف الفترة الرئاسية بناءا على أداء الرئيس. إذا كان الرئيس ممتازا يستطيع الشعب انتخاب حزبه في أحد المجلسين أو كليهما ليتمكن من تنفيذ برنامجه بأريحية دون الدخول في مصادمات مع الكونجرس حول الموازنة و القوانين، أما إن كان الرئيس سيئا أو أفضل السيئين (عاصرين عليه ليمون يعني) فيمكن أن ينتخبه الشعب و في المقابل يمنح صوته في الكونجرس للحزب المنافس لتحجيم الرئيس.
هذه نقطة من فنون نظام الحكم لطالما أثارت إعجابي بالدستور الأمريكي.
من النقاط الأخرى، وجود مجلسين تشريعيين، أحدهم ممثل للشعب بنسبة السكان و الآخر تتساوى فيه الولايات حيث لا فرق بين ولاية مركزية و أخرى مهمشة.
نقطة بالغة الأهمية هي الفصل بين السلطات و الذي لا يتم فقط على مستوى أفقي -أي فصل بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية- بل يتم الفصل رأسيا حيث تتبنى الولايات المتحدة النظام الفيدرالي في الحكم. هذا يعني إن إجراء كإغلاق الحكومة الذي حدث آخر مرة في أواخر العام الماضي يبقى تأثيره محدود نسبيا. هذا الإجراء لو تم في بلد كمصر لك أن تتخيل ما سيحدث في ظل حالة المركزية الشديدة عندنا و تبعية النقل و الصحة و التعليم و غيرها للحكومة المركزية في القاهرة!


لماذا أحبذ النظام الرئاسي تحديدا؟
لأنه يتضمن فصل تام بين السلطات، و في رأيي فإن هذا هو أهم ما تحتاجه مصر في الفترة المقبلة، فبعد عقود طويلة من الفساد تحتاج مصر لعدم هيمنة حزب واحد -أيا كان- على السلطتين التشريعية و التنفيذية، و حتى إن حدث يجب أن يضمن النظام السياسي أن يكون أعضاء السلطة التشريعية مستقلون غير خاضعين لتهديدات أحزابهم بضرورة التوحد و إلا سقطت الحكومة و البرلمان نفسه بالتبعية.

إن مشكلة النظم الرئاسية هي سعي الرئيس لتعديل الدستور ليتمكن من الترشح لفترات رئاسية غير محدودة و هذا تم بالفعل تقييده في الدستور المصري (رغم وجود مخاوف لدي من أن الرئيس القادم سيحاول تعديل تلك المادة) و في ظل نظام شبه رئاسي يظل ذلك الخطر موجودا مثلما فعل بوتين في روسيا.

رغم كل هذا فإنني كان من الممكن أن أقبل بنظام برلماني على غرار النظام الألماني مثلا، الذي تلافى واضعوه العيوب التي نشأت في ظل تطبيق نظام شبه رئاسي إبان جمهورية فايمار، أو حتى نظام شبه رئاسي مع بعض التعديلات التي تضمن تقليص المركزية لا تقسيم سلطات الحكومة المركزية بين شخصين كليهما متواجد في العاصمة.




عن الحقوق و الحريات و الهوية و غيرها

أدري إن الكثيرين وضعوا معايير أخرى لتقييمهم للدستور مثل الحقوق و الحريات أو هوية الدولة أو الديباجة!!!
لكن كل هذا في رأيي ينبغي أن يكون في مرحلة تالية لباب نظام الحكم.
إن أي طاغية لا يقلقه في البداية الحريات أو الهوية بقدر ما يقلقه تثبيت دعائم حكمه، ثم بعد ذلك يبدأ هجمته على الحقوق و الحريات. لقد قام السادات بتضمين تعديلاته في عام 1980 نصا يضع الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع لكي يستطيع تمرير تعديل آخر يسمح له بالبقاء في الحكم لأكثر من مدتين. حتى هذا اليوم لازال بعض الإسلاميين يذكرون ذلك بفخر(!) على إنه دليل على عشق الشعب للشريعة الإسلامية، في حين إن السادات و خليفته مبارك استطاعا الالتفاف على هذه النقطة و تفريغ تلك المادة من مضمونها و الخروج بالمكسب الأهم و هو إمكانية البقاء في الرئاسة مدى الحياة.

لماذا أقول هذا؟
إن عدد الحقوق لا يكفي للتدليل على روعة أي دستور
إن اشتراط إنفاق الحكومة لنسبة معينة من الناتج القومي على التعليم أو الصحة يجب أن يتبعه سؤال آخر؛ و ماذا لو لم تفعل؟
إن مجلس النواب الذي سيُقر الموازنة العامة للدولة هو من يختار الحكومة و لن يُسقِطها لأنها فشلت في الالتزام بتلك الأرقام، لأن معنى ذلك إسقاطه و إقامة انتخابات جديدة.
و حتى تلك الأرقام مبهمة، فالناتج القومي الاسمي لمصر في حدود 220 مليار دولار، بينما الناتج القومي الحقيقي -بحساب معدلات التضخم و أسعار الصرف و غيرها- أكثر من ضعف ذلك الرقم، فأي الرقمين هو المقصود؟

إن محاولة وضع مواد لن يتم تطبيقها في الدستور، فقط من باب التفاخر السياسي، سيعني إن هذا الدستور لن يحترمه أحد، و في هذا مخاطرة على أي عملية ديمقراطية. إن تعزيز الديمقراطية يتطلب أن تحترم الحكومة و الشعب مواد الدستور، لا أن يتحول إلى ورق يزين المكتبات.
لقد ألغت كل دساتير ما بعد ثورة يوليو الرتب المدنية، فهل معنى ذلك أنها اختفت من حياتنا؟
تذكر جيداً إن الانفتاح الاقتصادي و الخصخصة حدثا في ظل دستور يتبنى نظاما اشتراكيا (دستور 1971 قبل تعديلات 2007)

إن عدد الحقوق الواردة في دستور كوريا الشمالية هو نفس عدد الحقوق الواردة في دستور الولايات المتحدة (35) <هنا المصدر>، لكن الفارق إن شعب الولايات المتحدة حصل على حقوقه بكفاحه عبر السنين، و لذا لن يفرط في أي حق منها، أما في الدول المماثلة لنا فالحقوق تُعطى بصيغة "دي هدية مننا لكم" أو "مواد جديدة لم ترِد في أي دستور من قبل".


إن الدستور المصري الذي اقتبس من الدستور الفرنسي، لم يتضمن "المدافع عن الحقوق" و هو منصب ابتكره الفرنسيون (مادة 71-1) لمراقبة التزام كافة جهات الدولة بالحقوق و الحريات و عدم انتقاص أي حق لأي مواطن، بل و لا يسمح الدستور المصري حتى لأي شخص برفع دعوى عدم دستورية أي قانون مباشرة أمام المحكمة الدستورية العلياكالدستور الألماني مثلا.

ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة كذلك.

من السهل تعديل أي مادة في الدستور إلا تلك المتعلقة بنظام الحكم دون مخاطرة أن يحاول من في السلطة منح نفسه المزيد من السلطات.

إذا كنت من مشجعي الحكم بالتوافق، فلا تختر نظاما يعطي حزباً واحداً مفاتيح البلد، ثم تتساءل باندهاش لماذا لا يضمون إليهم الفصائل الأخرى!!
إذا أردت توافقا فادع لنظام حكم يشجع التوافق (برلماني و انتخابات بالقائمة، مثل ألمانيا و الدول الإسكندنافية)
حكم حزب واحد اليابان منذ الحرب العالمية الثانية و لمدة خمسة عقود تقريبا، لكنهم على الأرجح عرفوا و يعرفون ما يريدونه، بمميزاته و عيوبه.
لا يطالبون بنظام توافقي ثم يصرون على انتخابات بالنظام الفردي!!!!!!!

بالنسبة لي لا أؤمن بأن الحكم التوافقي يناسبنا، لأن تعزيز الديمقراطية يحتاج إلى قبول الشعب بها و هذا القبول يحتاج إلى شرعية للنظام و شرعية النظام لن تتحقق إلا بإنجاز اقتصادي و الإنجاز الاقتصادي يتطلب قرارات صعبة لن تتم بالتوافق، على الأقل هنا في مصر.
إن نظام الانتخابات الفردية يؤدي إلى بروز حزبين كبيرين عادة. حدث هذا في بريطانيا و الولايات المتحدة و فرنسا و غيرها من الدول، فلا داع للقول المعتاد بأن مصر تختلف، لأن كل هذه الدول تختلف عن بعضها كذلك.
لكنني لن أخدعك و أقول لك إن النظام الذي أقترحه به كل المميزات التي تريدها و لا يوجد له أي سلبيات.
و لن أخدعك و أقول لك إن نظام الحكم في هذا الدستور يختلف -كثيرا- عن دستور الإخوان، مثل السيد المتحدث الرسمي باسم لجنة الخمسين.
إن كل ما ذكره على إنه في دستور 2014 و لم يسبق وجوده في أي دستور كان موجودا في دستور الإخوان، و لم يمنعهم من اختيار رئيس وزراء سافر مع محمد مرسي في الطائرة.
من الآن فصاعداً أيها الكاتب المحترم؟ ألا تدرك إن تقييد مدد رئيس الجمهورية تم إقراره في تعديلات مارس 2011؟


كنت أتمنى أن يتضمن الدستور مادتين تحديدا -بخلاف باب نظام الحكم- الأولى تتعلق بحق الناخبين في الدعوة لاستفتاء على تعديل أو إضافة أو حذف مادة أو أكثر من الدستور بناءا على توقيعات المواطنين -مليون توقيع مثلا- على غرار مادة مماثلة في الدستور السويسري (مادة 138)
و الثانية بأن يكون أي استفتاء على تعديل الدستور مشتملا على استفتاء على كل مادة يتم تعديلها على حدة، لأن التاريخ يعلمنا إنه عادة ما يتم تقديم السم في العسل، و لِمَ التاريخ؟ أليس هذا الدستور نفسه عبارة عن تصويت على "شيء أحسن من لا شيء"؟