24 ديسمبر 2012

مسافات في أوطان الآخرين - سمير عطا الله

My rating: 5 of 5 stars

حين قرأت لسمير عطا الله من قبل بناء على توصية من صديقة مقربة، لم أجد نفسي في كتاباته، لكن تشاء الأقدار أن يكون هذا الكتاب هو أول ما اشتريته من معرض الكتاب هذا العام، و لأقول إنني منبهر لن يكفي لوصف هذا الكتاب.
مكتوب إن الكاتب كتبه في أثناء هجرته، لكني أعتقد إن قلبه ظل معلقا في وطنه.
تشعر بين السطور بمرارة الكاتب في غربته رغم انبهاره بالتقدم و النظام الغربي لكنه لا يبدو مستعدا لمبادلة هذا بوطنه. يظهر هذا في مقالات مثل "صخور من شعر" و "سيدة في الصف الطويل" و "معليش و أخواتها".
لكن سرده لا يخلو من المعلومات الخفيفة عن الأماكن التي زارها مثل "حليب و شوكولاتة و موتارد" عن سويسرا و "الجزار" عن الثورة الفرنسية و "في بلاد شكسبير" عن إنجلترا.
حتى حين يتحدث عن تجارب شخصية لا تشعر بالملل، بل ربما تجد نفسك قد مررت بمواقف مشابهة لما مر به مثل "رجل يدعى بلوت" و "التهاب الجيوب" و "أف" و لا تملك نفسك من الابتسامة على تلك المواقف.
يبدو أنه لا يُكن الكثير من الود للأطباء مثلما أرى من خلال "ماء و ملح" و "جمع مؤنث سالم"
المقالات الثلاث الأخيرة مهداة إلى ولده نصري.
لكن المقالات المفضلة لدي:
المعذرة من الملح
الحي اللاتيني و الخندق العميق
المكان حيث يكونون
عصير الحكمة
درس في النقطة
لماذا نكتب

أما اقتباسات الكتاب فتشمل و لكن لا تقتصر على

- كم هو كبير عدد الذين يسألونك، و كم هو ضئيل عدد الذين ترتاح إلى أن تطلعهم على ما بك.

- و إذا مررنا أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك عرفنا أن روكفلر تبرع بقطعة الأرض التي يقوم عليها لكي ... يرتفع سعر قطعة الأرض المقابلة.

- الخطيب الممتاز هو الخطيب الذي يعرف كيف يثير لا كيف يقنع. و أفضل الخطباء كما كان يقول دانتون هو ذلك الذي يبعث على الارتعاش في سامعيه.

- هذا الشاب سيصل إلى مراتب كبيرة. فهو يصدق حقاً ما يقول.

- يا عزيزتي لكِ علم التربية أما أنا فلي علم الحياة.

- الأصدقاء لا يشترون و لا يباعون، لا في سوق الماس، و لا في سوق الذهب.

- إن الطموح إلى الصداقة عمل سريع، أما الصداقة نفسها فثمرة ناضجة.

- الصداقة الحقة تزيل الضغط، لا تسببه.

- السعادة طائر منزلي أليف .. يغرد في الحديقة.

- هناك طبعاً هوة دائمة بين ما هو شعبي، و ما هو نخبوي. و هذه الهوة قائمة في كل زمان و في كل فن. لكن مصر لم تعانِ منها مثلاً.

- الذئاب لا تنقرض، بل المخلوقات الطيبة الكريمة وحدها معرضة للانقراض.

- فما هي لذة اللحظة التي لا تصبح ذكرى و ما هي حكمة الأ/س الذي لا يصبح أمثولة.

- سوف أفتقد ما عرفت لكنني سأعرف ما قد أفتقد.

- إن الفن في الصناعة ذروة الفنون.

- لكن الداعي لكم بطول العمر إنسان لا يتطور، و لا يتقدم، و لا يماشي العصر.

- إن أجمل المشاهد التي يمكن للمرء أن يراها هي احمرار ورق القيقب في مثل هذا الفصل[الخريف].

- إني أدعو لك إذا كتبت ألا تجعل الكتابة مثل حرفة تعيش بها و منها، بل أن تظل هواية أزلية تمنحها كل عبقرية ممكنة.

- إن أجمل ما في الحياة هو صديق و كتاب و وطن، و إني آمل أن يمن الله بها عليك ثلاثاً.

23 ديسمبر 2012

دستور مصر (4) - المادة 148 حالة الطوارئ

بعد ثلاثين عاما من حالة طوارئ مستمرة، حاول المشرع المصري تقييد صلاحية الرئيس في إعلان حالة الطوارئ من خلال المادة 148 و التي جاء نصها
يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى الحكومة، حالة الطوارئ؛ على النحو الذى ينظمه القانون؛ ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية.
واذا حدث الإعلان فى غير دور الانعقاد وجبت دعوة المجلس للانعقاد فورا ر للعرض عليه، وفى حالة حل المجلس يعرض الأمر على مجلس الشورى؛ وذلك كله بمراعاة المدة المنصوص عليها فى الفقرة السابقة. وتجب موافقة أغلبية عدد أعضاء كل من المجلسين على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر، لا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة بعد موافقة الشعب فى استفتاء عام.
ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ.
تم النص على مد حالة الطوارئ باستفتاء الشعب لأول مرة في استفتاء مارس بعد أن كان الأمر يتم عبر موافقة مجلس الشعب في دستور 71. الجديد هنا هو تحديد المدة التي تمتد فيها حالة الطوارئ بعد استفتاء الشعب بستة أشهر فقط.

تمت الموافقة على هذه المادة بالإجماع، و هذه الموافقة في الحقيقة تبين طريقة نظر أعضاء الجمعية التأسيسية للاستفتاءات الشعبية على أنها لا تعدو كونها مجرد إجراء روتيني!

أي حالة طوارئ تلك التي تمتد لمدة أكثر من ستة أشهر؟؟
إن حالة الطوارئ كما أفهمها لا تحدث إلا في حالات معدودة مثل الحرب المباشرة و الكوارث الطبيعية و محاولات الانقلاب العسكري.
 كيف يمكننا القيام باستفتاء في حالة مثل هذه؟
إن إقامة الاستفتاء في حد ذاته شهادة و دليل على عدم الحاجة لفرض حالة الطوارئ!
إلا إن كان لواضعي تلك الفقرة تفكير في حالات أخرى "غير طارئة" تتطلب فرض حالة الطوارئ!
أو ربما يفكرون في منع ناخبي المكان المفترض حدوث أمر طارئ فيه من المشاركة في تقرير ما إذا كان الأمر يستدعي فرض الطوارئ أم لا!
ثم ألم يتباكَ جُل هؤلاء منذ بضعة أشهر على قرار حل مجلس الشعب الذي سيتسبب في إهدار مليارات لإقامة انتخابات جديدة؟
ألا تتطلب حالة الطوارئ "المزعومة" تلك توفير تلك النفقات التي ستذهب في عملية الاستفتاء؟؟

إن الدستور كان ينبغي أن ينص على عدم جواز مد حالة الطوارئ بعد الستة أشهر الأولى لا باستفتاء و لا غيره إلا في حالة واحدة هي حالة الحرب المباشرة و في تلك الحالة تنتهي حالة الطوارئ بمجرد إعلان انتهاء العمليات العسكرية أو بعدها بمدة بسيطة ــ 15 يوما مثلا.
أما في الحالات الأخرى كالكوارث الطبيعية فلا أظن أن الكارثة ستستمر بذاتها لمدة ستة أشهر. قد تستمر آثارها لفترة طويلة بعد ذلك، لكن لست أرى كيف يتطلب علاجها فرض حالة طوارئ في الجمهورية بأكملها أو حتى في المنطقة المنكوبة بعد الستة أشهر!

21 ديسمبر 2012

دستور مصر (3) - العزل السياسي

تنص المادة 232 من الدستور على
تمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. ويقصد بالقيادات كل من كان، فى الخامس والعشرين من يناير 2100 ، عضوا بالأمانة العامة للحزب الوطنى المنحل أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى، أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة.

لا أبالي في الحقيقة بمن يُطلق عليهم "فلول" الحزب الوطني (المنحل/البائد). ما يهمني هنا هو إصرار حزب الحرية و العدالة و باقي القوى السياسية خصوصا الإسلامية منها على وضع مادة العزل السياسي و هم الذين يتغنون بالاحتكام لإرادة الشعب طوال ما يقرب من عامين!
لماذا الآن لا تتركون الشعب يُسقطهم في الانتخابات؟
هل تخشون من تأثيرهم بطريقة أو بأخرى على الناخبين؟
إذا كانت هناك طرق مؤثرة بالفعل على الناخبين -كالمال السياسي مثلا- فماذا فعلتم لمواجهته؟
وارد جدا أن يستخدم حزب آخر نفس الوسائل للتأثير على الناخبين.
أم أن الغاية النبيلة تبرر استخدام وسيلة خاطئة؟
إلا طبعا لو أقنعني أحد من تحدثوا بأنهم لا يثقون في وعي الشعب المصري "العظيم" و قدرته على إسقاط قيادات الوطني في الانتخابات.

إنني لا أظن أن قيادات الحزب الوطني ترغب في الترشح للمناصب السياسية. قد يديرون المشهد من وراء الستار، لكنهم لن يظهروا علنا بالتأكيد، ليس في الوقت الحالي على الأقل، و الانتخابات البرلمانية الماضية خير شاهد.

ما أردت توضيحه إن "وعي الشعب المصري العظيم" هي مطية يستخدمها كل من يفوز في الانتخابات، لكن لا أحد يثق فيها فعلا!

20 ديسمبر 2012

دستور مصر (2) - المؤسسة العسكرية

بعد ستين عاما من حكم عسكري (الرئيس عسكري سابق و ليس حالي مثل النظم العسكرية المباشرة)، كان وضع المؤسسة العسكرية من أهم المسائل المنتظرة في مسودة الدستور الجديد.
المادة 197 التي تتحدث عن تشكيل مجلس للدفاع الوطني بأغلبية عسكرية يختص بالنظر في تأمين البلاد و مناقشة الموازنة و يجب أخذ رأيه في القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة.
المادة 198 التي تتحدث عن القضاء العسكري و تمنحه الحق في محاكمة المدنيين أمام قضاء عسكري في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة.
هاتان المادتان مثار جدل كبير حاليا، لكني سأبدأ الحديث بمادة أخرى أراها أكثر خطورة و هي المادة 195
وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، و يعين من بين ضباطها
في الحقيقة أنا لا مشكلة لدي في تعيين وزير للدفاع من العسكريين، و لست أحلم بيوم يأتي فيه وزير دفاع مدني أو امرأة مثل بعض الدول الأوروبية التي حدث فيها ذلك!
ليس ذلك بسبب ثقتي في أن الجيش سيرفض أو أن المدنيين لن يستطيعوا فرض ذلك، لكن السبب الحقيقي هو أنك لن تجد طبيبا يوافق على تولي غير طبيب لوزارة الصحة و لن تجد قاضيا أو محاميا حتى يوافق على تولي معلم مثلا لوزارة العدل، فلماذا ننتظر من العسكريين القبول بوزير غير عسكري؟!
إن إحدى آفات السياسة المصرية هي عدم معرفة الدور الحقيقي لمنصب الوزير فيتصور البعض على أنه مجرد شخص كفء يتم ترقيته لهذا المنصب، و هذا ما يجعل الكثيرين يتعاملون مع منصب الوزير على إنه تشريف لا تكليف!
على كل، اعتراضي هو على الجمع بين منصبي القائد العام و وزير الدفاع، فالمنصب الأول سياسي و الثاني عسكري، و الجمع بينهما هو ما يؤدي لتسييس الجيش، فنحن بهذا الوضع نجعل رأس المؤسسة العسكرية منخرطا في أعمال سياسية، و لا عجب بعد ذلك أن تطلب منه الحكومة توفير الخبز من مخابز القوات المسلحة للجمهور أو توفير الوقود حتى، و نحن نعلم من تجارب سابقة إن الوضع لن يتوقف على ذلك فقط! و يمكن لمن يريد الاستزادة قراءة الفصل الأخير من مذكرات سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر.

إن تعيين وزير دفاع مدني -حتى لو كان عسكريا سابقا- سيقضي مباشرة على مشكلة المادة 197 الخاصة بتشكيل مجلس الدفاع الوطني، الذي ستنقلب أغلبيته لحساب المدنيين، و لا مشكلة في كونه عسكري سابق، فهو، على الأرجح -في دولة ديمقراطية- قد انخرط في أحد الأحزاب القائمة و مارس بعض الأعمال المدنية التي تجعله يُحسب على المدنيين بطريقة أو بأخرى، كما أنه سيميل لرأي حزبه السياسي، الذي يملك عزله، عن رأي زملائه السابقين في القوات المسلحة عند الضرورة.

أما المادة 198 الخاصة بالقضاء العسكري، فأسجل اعتراضي على تحويل المدنيين لمحاكمات عسكرية على الإطلاق، و كان يجب على الأقل منح أولئك المدنيين حق النقض أو الاستئناف أمام محكمة عليا مدنية (محكمة النقض؟)، لكن النظام القضائي المصري لم يأخذ بنظام المحكمة العليا الموحدة (كالنظام الأمريكي مثلا) و جعل القضاء العسكري مستقلا! (التبرير إنه لو تم إلحاق القضاء العسكري بالقضاء الطبيعي فسيمكن إحالة مدنيين للقضاء العسكري، على إنه قضاء طبيعي، لا استثنائي!)
على كل كنت أتوقع و أتمنى النص على حظر إحالة المدنيين للقضاء العسكري على الإطلاق و محاكمتهم أمام قضاء عادي حتى في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة، فلا يتُصور مثلا إن بعد جريمة سرقة وثائق عسكرية مهمة من قِبَل مدني، ستظل القوات المسلحة تستخدم تلك الوثائق! لا ريب إنها لو كانت خطة أو شفرة ما سيتم تغييرها من باب الاحتياط و لست أدري ما الفارق أو الخطورة لو اطلع قاضٍ مدني عليها! لا أتمنى أن تكون قواتنا المسلحة تفكر في استخدام خطط هناك احتمال و لو ضئيل أنها تسربت للعدو!

02 ديسمبر 2012

دستور مصر (1) - المادة 13

وصلنا للمسودة النهائية للدستور أخيرا، و على عكس الكثيرين ممن بدأوا حديثهم بباب الحريات، أو المادة الثانية و المادة المفسرة لها أو باب الحقوق و الحريات، أو نظام الحكم، أو حتى وضع المؤسسة العسكرية، اخترت أن أبدأ بالمادة 13
إنشاء الرتب المدنية محظور
هذه المادة مأخوذة من دستور 1971 و نشأت بعد ثورة يوليو 1952 للقضاء على الرتب المدنية (البكوية و الباشوية) التي كانت ترسخ التقسيم الطبقي بين أفراد المجتمع.
لا اعتراض لدي على المادة طبعا، لكن المشكلة أنه رغم أن تلك المادة قضت على الرتب رسمياً إلا إنها لم تلغِ استخدامها على أرض الواقع!
ضابط الشرطة يُقال له "باشا" و أحياناً أيضا ضابط الجيش، القاضي و وكيل النيابة يقال له "بك".
رجال الأعمال أيضا يُلقبون بتلك الألقاب من العاملين في شركاتهم و أصحاب النفوذ كذلك.
بل إن رئيس الجلسة نفسه خاطب أحد الأعضاء غير مرة بلقب بك "ناجي بك"!!!

لم تقتصر الألقاب على البكوية و الباشوية، فالطبيب لابد أن تُخاطبه دائما بلقب "دكتور" و إلا أخذ يصحح لك الاسم أو نظر إليك تلك النظرة التي تشعر كما لو أنه يود لو صفعك! أيضا أي حائز على درجة الدكتوراة لابد أن يضعها قبل اسمه في أي مناسبة.
هل كان أحدكم من قراء نبيل فاروق أو أحمد خالد توفيق؟ الاثنان طبيبان و الثاني يحمل شهادة دكتوراة في الطب كذلك و يُكتب اسميهما على غلاف الروايات دائما مسبوقا بحرف "د"!
المهندسون و الصيادلة كذلك يضعون ألقابهم قبل أسمائهم و يصرون عليها.
قارن ذلك بما يحدث في الغرب و تحديداً في الولايات المتحدة حيث لا يتم ذكر شهادات أو رتب أي شخص ما لم يكن الحديث متعلقا بهذا الخصوص، و يكتفون غالباً بلقب السيد (Mr.) أو السيدة/الآنسة (Mrs./Ms.)
حاول أن تقول لطبيب أو قاضٍ أو مهندس أو تكتب عنه هكذا في مصر وانظر ماذا سيكون رد فعله.

ما أريد قوله أن المسألة ليست في الدستور فحسب -رغم أهميته الكبيرة- لكنها في ثقافة شعب كذلك.
مثلا الدستور الأمريكي لا يذكر أبدا حق تكوين الأحزاب، لكنها موجودة و فاعلة على أرض الواقع، بل إن فرصة المستقلين هناك شبه معدومة في أي انتخابات خصوصا الرئاسية!
الدستور مهم، لكن الأهم هو توعية الشعب و تثقيفه بحقوقه.