20 ديسمبر 2012

دستور مصر (2) - المؤسسة العسكرية

بعد ستين عاما من حكم عسكري (الرئيس عسكري سابق و ليس حالي مثل النظم العسكرية المباشرة)، كان وضع المؤسسة العسكرية من أهم المسائل المنتظرة في مسودة الدستور الجديد.
المادة 197 التي تتحدث عن تشكيل مجلس للدفاع الوطني بأغلبية عسكرية يختص بالنظر في تأمين البلاد و مناقشة الموازنة و يجب أخذ رأيه في القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة.
المادة 198 التي تتحدث عن القضاء العسكري و تمنحه الحق في محاكمة المدنيين أمام قضاء عسكري في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة.
هاتان المادتان مثار جدل كبير حاليا، لكني سأبدأ الحديث بمادة أخرى أراها أكثر خطورة و هي المادة 195
وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، و يعين من بين ضباطها
في الحقيقة أنا لا مشكلة لدي في تعيين وزير للدفاع من العسكريين، و لست أحلم بيوم يأتي فيه وزير دفاع مدني أو امرأة مثل بعض الدول الأوروبية التي حدث فيها ذلك!
ليس ذلك بسبب ثقتي في أن الجيش سيرفض أو أن المدنيين لن يستطيعوا فرض ذلك، لكن السبب الحقيقي هو أنك لن تجد طبيبا يوافق على تولي غير طبيب لوزارة الصحة و لن تجد قاضيا أو محاميا حتى يوافق على تولي معلم مثلا لوزارة العدل، فلماذا ننتظر من العسكريين القبول بوزير غير عسكري؟!
إن إحدى آفات السياسة المصرية هي عدم معرفة الدور الحقيقي لمنصب الوزير فيتصور البعض على أنه مجرد شخص كفء يتم ترقيته لهذا المنصب، و هذا ما يجعل الكثيرين يتعاملون مع منصب الوزير على إنه تشريف لا تكليف!
على كل، اعتراضي هو على الجمع بين منصبي القائد العام و وزير الدفاع، فالمنصب الأول سياسي و الثاني عسكري، و الجمع بينهما هو ما يؤدي لتسييس الجيش، فنحن بهذا الوضع نجعل رأس المؤسسة العسكرية منخرطا في أعمال سياسية، و لا عجب بعد ذلك أن تطلب منه الحكومة توفير الخبز من مخابز القوات المسلحة للجمهور أو توفير الوقود حتى، و نحن نعلم من تجارب سابقة إن الوضع لن يتوقف على ذلك فقط! و يمكن لمن يريد الاستزادة قراءة الفصل الأخير من مذكرات سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر.

إن تعيين وزير دفاع مدني -حتى لو كان عسكريا سابقا- سيقضي مباشرة على مشكلة المادة 197 الخاصة بتشكيل مجلس الدفاع الوطني، الذي ستنقلب أغلبيته لحساب المدنيين، و لا مشكلة في كونه عسكري سابق، فهو، على الأرجح -في دولة ديمقراطية- قد انخرط في أحد الأحزاب القائمة و مارس بعض الأعمال المدنية التي تجعله يُحسب على المدنيين بطريقة أو بأخرى، كما أنه سيميل لرأي حزبه السياسي، الذي يملك عزله، عن رأي زملائه السابقين في القوات المسلحة عند الضرورة.

أما المادة 198 الخاصة بالقضاء العسكري، فأسجل اعتراضي على تحويل المدنيين لمحاكمات عسكرية على الإطلاق، و كان يجب على الأقل منح أولئك المدنيين حق النقض أو الاستئناف أمام محكمة عليا مدنية (محكمة النقض؟)، لكن النظام القضائي المصري لم يأخذ بنظام المحكمة العليا الموحدة (كالنظام الأمريكي مثلا) و جعل القضاء العسكري مستقلا! (التبرير إنه لو تم إلحاق القضاء العسكري بالقضاء الطبيعي فسيمكن إحالة مدنيين للقضاء العسكري، على إنه قضاء طبيعي، لا استثنائي!)
على كل كنت أتوقع و أتمنى النص على حظر إحالة المدنيين للقضاء العسكري على الإطلاق و محاكمتهم أمام قضاء عادي حتى في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة، فلا يتُصور مثلا إن بعد جريمة سرقة وثائق عسكرية مهمة من قِبَل مدني، ستظل القوات المسلحة تستخدم تلك الوثائق! لا ريب إنها لو كانت خطة أو شفرة ما سيتم تغييرها من باب الاحتياط و لست أدري ما الفارق أو الخطورة لو اطلع قاضٍ مدني عليها! لا أتمنى أن تكون قواتنا المسلحة تفكر في استخدام خطط هناك احتمال و لو ضئيل أنها تسربت للعدو!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق