18 فبراير 2014

عن فيدرالية اليمن

بعد إعلان اليمن دولة فيدرالية من 6 (ستة) أقاليم، انبرى المصريون كعادتهم في لعب دور "الشقيقة الكبرى" منتقدين القرار و متعجبين من فرحة بعض (أو معظم حسب الفريق الذي تقف معه) اليمنيين بالقرار.
طبعا لا داع للتذكير بوجود دول فيدرالية أخرى في هذا العالم، مثل الولايات المتحدة و ألمانيا و الإمارات العربية و غيرها، حيث يكون الرد عادة مثلما في تلك التغريدة.


و السؤال هنا، إذا افترضنا جدلا إن الدولة الموحدة أفضل من الدولة الفيدرالية، فلماذا لم تسعَ أي من تلك الدول لذلك؟
بل إن كثير من تلك الدول الفيدرالية سنحت لها فرصاً لسيطرة الحكومة المركزية على الحكم لكنها لم تستغلها.
مثلا الولايات المتحدة بعد انتصار الشمال في الحرب الأهلية بسبب رفض الجنوب إلغاء الرق.
لم تحاول الحكومة المنتصرة إعلان دولة موحدة تجنبا لأي احتمال مستقبلي بتكرار رفض بعض الولايات لتشريع اتحادي، رغم إنه باستطاعة المنتصرين عادة فرض قواعدهم على المنهزم، بل إن التغيير الجغرافي كان في استقلال ويست فيرجينيا عن الولاية الأم -أو تقسيم الولاية حسب الرؤية المصرية- و كذا نيفادا عن ولاية يوتا. أكثر من ذلك فإن الولايات المتحدة لم تبدأ بالتقسيم الفيدرالي الموجود حاليا بل شهد تاريخها استقلال و تقسيم عديد الأراضي يمكن الاطلاع عليها هنا.

مثال آخر هو دولة ألمانيا التي عانى شعبها من التقسيم بعد الحرب العالمية الثانية، لكنهم هدموا سور برلين بعد ذلك معلنين رغبتهم في اندماج القسمين الشرقي و الغربي في دولة واحدة كما كان الحال قبل التقسيم. السؤال هنا، لماذا لم يُكمل الألمان الطريق و يطالبون بدولة موحدة لا فيدرالية، إذا كان هذا -بحسب الخبراء الاستراتيجيين المصريين- الوضع الأفضل لأي دولة؟

في الأنظمة السياسية لا يوجد ما يُسمى بالأفضل و الأسوأ. كل شعب من حقه اختيار الطريقة التي تناسبه، و طالما بقيت السياسة الخارجية واحدة و القوات المسلحة تحت إمرة الحكومة الاتحادية فهذه دولة ذات سيادة، لا تقسيم كما يصفه البعض هنا.

تعتبر الفيدرالية هي الوضع الأفضل لأي دولة متعددة الأعراق أو الأطياف. الفيدرالية هي الحل للولايات المتحدة بسبب الاختلاف الكبير في العادات و أسلوب الحياة بين ولاية و أخرى خاصة الشمال و الجنوب.

يُعتبر العراق مثالاً محبباً لمن يصفون الفيدرالية بالتقسيم.
"انظر ماذا جلبت الفيدرالية للعراق؟ حكومة غير مستقرة و بلد على شفا حرب أهلية"

حسنا، إن الوضع في لبنان ليس أفضل من العراق بأي حال و لبنان ليست دولة فيدرالية بل دولة موحدة، فهل الفيدرالية هي سبب الاقتتال الأهلي فعلا؟
هل منعت الدولة الموحدة في لبنان وجود دولة حزب الله داخل حدود الدولة اللبنانية "ذات السيادة"؟
هل منعت الدولة الموحدة تدخل القوى العربية و الغربية في شؤون اللبنانيين؟

المثال الآخر المحبب لأصحاب نظرية (الفيدرالية = تقسيم) هو السودان و تحديدا انفصال الجنوب.
إن استفتاء استقلال الجنوب شهد موافقة 98.83% على الانفصال أي إن 1.7% فقط (واحد و سبعة أعشار بالمائة) رفضوا الانفصال. هذا الاستفتاء كان محددا موعده قبل ذلك بأكثر من خمسة أعوام، فماذا فعلت حكومة السودان لإقناع شعب الجنوب؟ لا شيء!
لم تستطع حكومة السودان إلا إقناع أقل من 2% من أهل الجنوب بأفضلية التواجد حتى ضمن دولة فيدرالية!

دعونا لا نخدع أنفسنا.
إن أي دولة عربية منقسمة عِرقيا أو طائفيا لن تبقى دولة موحدة إلا إذا حكمها أحدهم بالحديد و النار كصدام حسين في العراق أو حافظ الأسد و من بعده ابنه في سوريا أو علي عبد الله صالح في اليمن، و هذا الحاكم لن يحكم بالعدل و لن يتورع عن القيام بمذابح ضد الأقليات العِرقية أو استبعادهم من المناصب العليا على الأقل و خصوصا في الجيش و بطبيعة الحال لن يتخلى عن الحكم أبدا.

أي إن ما ينصح المصريون به نظراءهم في الدول العربية ذات الطوائف المتعددة هي نفس النصيحة التي يعطيها الكثيرون هنا للزوجة التي يسيء زوجها معاملتها بالبقاء معه و تحمل إهاناته و اعتداءاته مقابل المسكن الذي يوفره لها، أو بحسب التعبير الشعبي "ضِل راجل ولا ضِل حيطة".

لا مشكلة في أن تنازلوا عن كل أو بعض حقوقكم مقابل أن تظل الدولة موحدة.

إن بديل الفيدرالية اليوم في اليمن هو حرب أهلية و تقسيم حقيقي.
إنني أتوقع أن ينقسم اليمن في النهاية للأسف، لكن هذا لن يحدث لأنهم اختاروا الفيدرالية اليوم. بديل الفيدرالية اليوم هو الانقسام بحق أو حرب أهلية أيهما أسوأ في نظرك.

لقد اجتمع الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب العالمية الثانية لا لتقسيم ألمانيا فحسب، بل لتقسيم عاصمتها برلين أيضا، لكن نظراً لأنهم شعب واحد لم يقبل الألمان بهذا الوضع أكثر من أربعين عاما تقريبا، فلا داع للحديث عن مؤامرات الغرب علينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق