10 مايو 2010

لا تعديلات دستورية في الوقت الراهن


منذ حوالي عشرة أيام، قامت شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية بإجراء مناظرة بين الدكتور محمد البرادعي، رئيس الجمعية الوطنية للتغيير، و أحمد عز أمين التنظيم في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.
كنت أنوي التعليق على المناظرة في وقتها، لكنني فضلت الانتظار حتى سماع خطاب الرئيس مبارك في الاحتفال بعيد العمال.
انتظرت مجددا حتى سماع التعقيب من الجمعية الوطنية للتغيير، لكنهم يقولون أنهم بصدد إعداد الرد.

لذا فلنر ما لدينا هنا:

- الرئيس حسني مبارك يحكم مصر منذ ما يقارب 29 عاما، اتسمت بسيادة قانون الطوارئ، الذي تم تطبيقه فور اغتيال الرئيس السادات.
- في ظل قانون الطوارئ هذا، تعتبر الرقابة القضائية على الانتخابات مجرد حبر على ورق، فالكلمة الأخيرة لرجال الداخلية، الذين يدينون بالولاء للنظام الحاكم.
- يطالب البرادعي بوجود ضمانات لنزاهة الانتخابات متمثلة في إشراف قضائي كامل، و مراقبة دولية.
- يرد أحمد عز على هذا الكلام بأن وجود قانون الطوارئ ضرورة ملحة، فهو الموازي لقانون باتريوت في الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب.
- البرادعي يرفض الترشح من خلال أحد الأحزاب الموجودة بالفعل. طبقا للتعديل الدستوري الأخير، يحق لكل حزب مضى على تأسيسه خمس سنوات على الأقل أن يرشح أحد أعضاء هيئته العليا في انتخابات 2011، بشرط مرور سنة متصلة على انضمام العضو للهيئة العليا.
- يرد عز بأن البرادعي رفض دعوة نصف الأحزاب المصرية للترشح باسمها، كما رفض عرضا رسميا للانضمام لصفوف الحزب الوطني الحاكم، و خوض معترك الحياة السياسية من خلاله.
- يمكن للبرادعي أن يتراجع عن رفضه هذا في مدة أقصاها منتصف العام الحالي، أي خلال الأسابيع القليلة القادمة.
- إذا لم يحدث، و هو المتوقع، فسيكون عليه انتظار تعديل دستوري لتيسير شروط ترشيحه كمستقل، أو الانتظار للانتخابات التالية.
- البرادعي يحزر تقدما كبيرا في حشد آلاف الأصوات عبر الإنترنت، لكنه لم يستطع تحويل هذا الحشد إلى أرض الواقع، بسبب قانون الطوارئ السالف ذكره.
- يعتقد عز أن أنصار البرادعي ينتمون لليسار الذي حكم مصر في الستينات و أثبت فشله، و اليمين المتطرف، الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين، ويلمح عز أنه في حالة وصول هؤلاء للسلطة، فسوف ترى الولايات المتحدة إيران أخرى في المنطفة.

هذا تقريبا ملخص المناظرة التي تمت عبر شبكة سي إن إن.

انتظر الجميع خطاب مبارك
قكانت الضربة القاصمة للمعارضة كلها بتأكيده أنه لا نية حالية لتعديل الدستور

وقال الرئيس: «لا مجال فى هذه المرحلة الدقيقة لمن يختلط عليه الفارق الشاسع بين التغيير والفوضى، وبين التحرك المدروس والهرولة غير محسوبة العواقب»، مشيراً إلى أن الشعب هو الحَكَم وستكون كلمته هى الفيصل فى صناديق الاقتراع.

وهاجم الرئيس من وصفهم بـ«أصحاب الشعارات».. وقال: «عليهم أن يجيبوا عن تساؤلات الناس، ماذا لديهم ليقدموه؟ وما سياساتهم لجذب الاستثمارات وإتاحة فرص العمل؟ ما برامجهم لرفع مستوى معيشة محدودى الدخل؟ ما مواقفهم من قضايا السياسة الخارجية ومخاطر الإرهاب؟».


خطاب قوي جدا!!

لذا دعونا نلخص الموضوع
البرادعي و أنصاره يطالبون بتعديل مواد الدستور الخاصة بشروط الترشح، لتسهيل خوض المستقلين للانتخابات، و تحديد مدة الرئاسة بمرتين فقط، و تولي القضاء الإشراف الكامل على الانتخابات و وجود مراقبة دولية.

الرئيس أعلن رفضه لهذا، بغرض تحقيق الاستقرار
و هو شيء مثير حقا إذا أخذنا في الاعتبار أن تعديل الدستور الذي تم في 2005، حدث بأقصى درجات الهرولة الممكنة، لدرجة أنه لم يستغرق سوى أشهر تعد على اليد الواحدة، وفي نفس عام الانتخابات الرئاسية و التشريعية!!
بل و أكثر من ذلك، تمت تعديلات دستورية أخرى في 2007، أي بعد عامين على التعديل السابق.

لو أن هذه ليست هرولة، فأنا لا أدري ما هي الهرولة حقا!!

البرادعي سيحتاج للترشح في انتخابات 2011 كمستقل، ما لم تحدث مبادرة رئاسية أخرى لتعديل الدستور، ربما بضغوط أمريكية، فلا ننسى خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في القاهرة في يونيو 2009

"لدي اعتقاد راسخ أن جميع البشر يتطلعون لأمور معينة: القدرة على التعبير عن أفكارهم، ان يكون لهم رأي في الطريقة التي يحكمون بها؛ الثقة في سيادة القانون وإقامة المساواة بين العدالة؛ كذلك شفافية الحكومة والا يتم سرقة الشعب، وحرية العيش على النحو الذي تختاره."

المشكلة أن الدستور يغلق كل الأبواب على أي مرشح واعد لخوض سباق الرئاسة، حتى جمال مبارك نفسه، الذي سيبدو في حال ترشحه كوريث للحكم، عوضا عن مواطن مصري يسعى للحصول على حق أصيل له بخوض الانتخابات.

أما الأحزاب الموجودة فكلها لا يعرف عنها المصريون غير أسماء ثلاثة أو أربعة أحزاب. حتى حزب الوفد، الذي يفترض به أنه أكبر أحزاب المعارضة، كانت أقصى أحلام و طموحات رئيسه في الانتخابات السابقة هي الحلول ثانيا خلف مبارك. طبعا واجه صدمة عمره حين تفوق عليه أيمن نور، الذي قضى سنوات عديدة في حزب الوفد، قبل أن يؤسس حزبه الخاص.

أيمن نور قد يعاود الكرة في 2011، لكني لا أظن أنه يحظى بنفس القبول الجماهيري الذي كان عليه في 2005. حتى لو ترشح، فسيبدو كبديل للبرادعي، ألقت به قوى المعارضة في قلب صراع .

الإخوان المسلمون هم أكبر كتلة سياسية في مصر بعد الحزب الوطني الحاكم، لكنهم لا يريدون الدخول في معركة مع النظام، خصوصا و أنهم يعلمون بصعوبة تكرار إنجاز الانتخابات التشريعية السابقة. لا تريد الجماعة فتح جبهة جديدة فتخسر كل ما حققته في السنوات الأخيرة.

حقيقة لست أمانع في بقاء المادة 76، المتعلقة بكيفية الترشح، كما هي. ما يهمني فعليا هو المادة 77 التي تعطي الرئيس الحق في الحكم مدى الحياة.
تغيير هذه المادة وحده كفيل بدفع عجلة الحراك السياسي في البلد.
الرئيس الذي يعلم أنه لن يخلد في الحكم، سيحاول جاهدا تحقيق إنجازات على أرض الواقع، خصوصا في فترة حكمه الأخيرة، التي لن يكون فيها تحت ضغط تثبيت نفسه على كرسي الحكم للفوز في الانتخابات التالية.

مادة أخرى أراها مهمة جدا، وهي المادة 87 الخاصة بتحديد نسبة أعضاء مجلس الشعب، ليكون نصفهم على الأقل من العمال و الفلاحين.
لكن لنترك الكلام عن هذه المادة لحينه.


الشيء المثير هو أن الرئيس لم يتطرق في خطابه لموضوع الاتفاقية الجديدة التي تنوي بعض دول حوض النيل توقيعها في خلال أسبوع لمناقشة توزيع حصص مياه النيل!!
و هذه قصة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق