12 مايو 2010

الهتِّيف


هو شخص يمكن أن يتواجد في أي مكان و كل موقع..
لا يعرف شيئا عن أي شيء..
رغم ذلك تجده دائما صاحب أعلى صوت في الجموع..
يتميز بجرأة شديدة و ثقة كبيرة في النفس..
ليس لأسباب تتعلق بطبيعة شخصيته..
بل يستمدها من المحيطين به..
أو الحامين له..
كلما رأى نظرات الضعف في من حوله، ازداد قوة و بأس..

قد تجده في طابورما يصيح بأعلى صوته مطالبا بسرعة العمل حين يرى تباطؤ الحركة..
ليس لأنه يريد المصلحة العامة..
بل لأنه يريد أن يصنع ضوضاء كافية ليطلب منه المختصون التقدم لإنهاء مصلحته كي يريحهم من صوته القبيح.

ربما تجده في مظاهرة ما..
متصدرا الصفوف، و محمولا على الأعناق..
لا لكي يتلقى الضربة الأولى، كما يفترض..
بل لكي يضرب أول ضربة، ثم تراه أول الفارين.

أحيانا يكون صحفيا في جريدة كبرى..
يمدح الزعيم القائد على كل خطاب أو قرار..
تشعر أن القائد منزه عن الخطأ..
طوال سنوات لم تقرأ له أي نقد لربان السفينة..
ارتضى أن يكون تابعا ذليلا طوال عمره..
من أجل لقمة عيش تلقى إليه كالحيوانات.

من الممكن أن يكون صحفيا معارضا..
يمتاز بكتابة العناوين الرنانة..
ساخطا دائما و أبدا على كل شيء..
يصف نفسه -بكل تواضع- على أنه لسان حال الفقراء و الغلابة..
و هو الذي ربما لم يقابل واحدا منهم في حياته.

قد يكون وزيرا في وزارة رئيسية..
يأتي دائما للبرلمان و في يده كومة من الأوراق..
يبدأ كلامه بأنه سيتحدث بلغة الأرقام..
يتحدث دائما عن إنجازات وزارته على أنها مجرد زيادة في الإنفاق..
وفرنا كذا و كذا..
دفعنا كذا و كذا..
و لا ينسى أن ينسب كل الإنجازات لتاريخ محدد..
ليس تاريخ توليه الوزارة بالمناسبة..

قد يكون زعيما معارضا..
يطالب الشعب بالالتفاف حوله..
لأنه -حسبما يصفه أنصاره- المخلِّص..
يعد بتحقيق كل أحلام الشعب في ظرف سنوات..
حين تسأله عن الكيفية، لا تختلف إجابته كثيرا عن من يحكم..
مجرد وعود بمستقبل أفضل..

أو يكون نائبا في البرلمان..
يظهر ليقول أي كلام فارغ كل فترة و أخرى..
لا ينسى أن يذكر اسم دائرته كلما أتت الفرصة..
مطالبا الوزير قيد الاستجواب أو المناقشة بالاهتمام بها..
واضعا في اعتباره بالطبع الانتخابات المقبلة.

و الطامة الكبرى أن تجده في أعلى منصب في الدولة..
خطيبا مفوها..
يتحدث من القلب، كما يصفوه..
لا يقرأ من ورقة معدة مسبقا..
لغته قوية..
يهدد بإلقاء العدو و من ورائه في البحر..
يعجب به الناس..
يظهر مع أول مواجهة أنه لم يكن يتحدث إلا بكلام فارغ..
يبررون له حينها الموقف بأنه لم يكن يدري ما يدور في الكواليس..
لا يترك مكانه هكذا بكل بساطة..
بل يستخدم موهبته الأثيرة..
خطاب لشعبه يخبرهم ظاهريا بتنحيه، و في الباطن يطلب منهم الالتفاف حوله..
الغريب أن الشعب المسكين يصدق..
الأغرب أن تجد من يتحسر على أيامه بعد عشرات السنين!!

هناك تعليق واحد: