08 أغسطس 2013

الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر - طارق البشري

My rating: 2 of 5 stars

يتعرض طارق البشري في هذا الكتاب لمسألة التجديد في الشريعة الإسلامية و يبدأ بسرد تاريخي لأوجه هذا التجديد الذي بدأ بحركتين للإصلاح، إحداهما دعوية في الجزيرة العربية و المغرب العربي، لكنها لم تصل لمصر لطبيعتها المركزية بالنسبة للدولة العثمانية، و أخرى مؤسسية في الدولة العثمانية نفسها و في مصر على يد محمد علي.
يرى الكاتب أن تعرض مصر و قلب الدولة العثمانية لمخاطر القوى الاستعمارية أدت لبداية إصلاح مؤسسي في الجيش لمواجهة تلك الأخطار، و إهمال الإصلاح الدعوي مؤقتا، حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
في مصر قام محمد علي ببناء مؤسسات جديدة و ترك القديم على حاله. و يرى الكاتب أن السبب في عدم إصلاح القديم كان حتى لا يتم الصدام مع ذلك القديم، و يرى أن ذلك ليس خطئا في حد ذاته بل كان يمكن التكامل بينهما، لكن الغزو الأوروبي تسرب إلينا -وفقا للكاتب- عبر البعثات التعليمية في إطار مجموعة من السلوكيات و العادات الغربية، فقد أنشأ محمد علي المدارس لتعليم علوم الصنائع، كالطب و الهندسة، لكنها تحولت بمرور الوقت لتعلم الآاداب و القوانين الغربية.

حين واجهت الحركة الإسلامية دعوات تبشير و تغريب ساهمت في تغيير العادات و أساليب العيش، ابتعد الكثير من قادة هذا الفكر عن التجديد و لجأوا للدفاع عن الأصول و الثوابت و وقفوا ضد أي محاولة للتجديد أو التغيير.

يقسم المؤلف واقعنا في تلك الفترة إلى جانبين، الاستعمار و القابلية للاستعمار..
الاستعمار أثر خارجي يجري بغير رضائناأما القابلية للاستعمار فهي أثر داخلي و هو وضعنا من الضعف و الجهل و الجمود الذي يمكن الآخر من التغلب علينا
من رواد مدرسة مقاومة الاستعمار كان جمال الدين الأفغاني بينما كان محمد عبده أحد قادة مدرسة مقاومة القابلية للاستعمار.

يشير الكاتب لمعضلة تواجه أي بلد تحت الاحتلال تتعلق بأيهما نبدأ، طرد المحتل أم تقوية الجبهة الداخلية أولا ثم طرده و يخلص إلى أن كليهما يكمل الآخر فالاستعمار إن وُجد يضع من السياسات ما يضمن وجوده و استمراره و ضعفنا في مواجهته كما أن ضعفنا هو ما سمح في البداية للعدو باستعمارنا فلن نستطيع إخراجه دون أن نعالج أسباب ضعفنا، و يؤكد أن تغليب أحد الأسلوبين على الآخر يرجع لأيهما أيسر في سياق الأحداث.

ركز الأفغاني وحدة المسلمين في مواجهة الاستعمار و نبذ الخلافات الداخلية. أما محمد عبده حين بدأ عمله في مصر فقد كانت محتلة بالفعل و لم يكن مطروحا أمامه مقاومة الاستعمار فقد كانت الجبهة الداخلية ضعيفة للغاية. وجد أن أكبر خطر هو المذهبية فعمل على محاربتها بالرجوع للقرآن و الاجتهاد فالمسلم يجد نفسه في حرج من الابتعاد بين الفقه و الواقع إذا توقف باب الاجتهاد فإما أن تضعف قيمة الإسلام في نفسه تحت ضغط الحياة أو يبقى في حالة جمود كجمود الفقه.

و ينتقل إلى حسن البنا و إعادة تقديمه لمبدأ شمولية الإسلام و يحكي كيف إن الإسلام حين يكون مهددا في أحد جوانبه يتم التركيز على هذا الجانب بقوة مثلما يكون الوطن مهددا بالاستعمار يرتفع شعار الاستقلال في ذلك الوقت، و لا يعني ذلك أن باقي الجوانب مهملة أو إن الاستقلال مهما وقتها فقط. و هذا ما يفسر ربما كيف أن الدعوة الوهابية ركزت على العبادات أكثر من تركيزها على المعاملات.
يورد المؤلف حادثتين مختلفتين هنا
الأولى انفصال باكستان عن الهند كدولة لمسلمي الهند و كيف إنها لم تطبق الشريعة فسلك أبو الأعلى المودودي طريق التشدد و دعا لإرساء مبدأ الحاكمية لله وحده في كل شؤون الحياة و أن أي تشريع من البشر تعدي على سلطان الله بادعاء الحاكمية، و هو الفكر الذي أخذه عنه سيد قطب و يصفه المؤلف بالغلو.
أما الثانية تتعلق بجماعة التبليغ في الهند فقد اتخذت اتجاه دعوة الناس للإسلام و تذكيرهم بفروضهم و دعوتهم ليكونوا قدوة حسنة في تعاملاتهم.

و يوضح الكاتب أن الفرق بين الاتجاهين هو أنه في الحالة الأولى حين يتعرض الإسلام لخطر لا يُخشى منه على الإسلام نفسه فإن ذلك يدفع للتشدد أما حين يكون الخطر شاملا مهددا للإسلام نفسه و بقائه فإن الدعوة تبتعد عن السياسة و تقتصر على العبادات و المعاملات. ربما لهذا السبب نشأت جماعات العنف في مصر؟

يخصص فصلا كاملا للحديث عن فكر سيد قطب و مقارنته بفكر حسن البنا و كيف أن الفرق بينهما كالفرق بين الحرب و السلم!

يعتبر إن الجمود و الغلو ناتج للمحاصرة و التضييق و تهديد الأصول و الثوابت من قِبل أقلام لا تستطيع التفريق بين الأصول و الفروع و الثابت و المتغير فيشعر من يحصر على استقرار تلك الثوابت بالغربة و يدفعه ذلك لحالة من الاستنفار.

يفرق بين الإسلام و هو الكتاب و السنة و بين الفقه الإسلامي و هو اجتهادات العلماء على مر العصور و تلك الأخيرة قابلة للصواب و الخطأ و اختلاف الزمان و المكان.
يرى كذلك أن أمامنا -يقصد المهتمين بإحياء الشريعة و هو منهم- مهمتين: أولا تشكيل أوضاع المسلمين بحيث تلائم أصول العقيدة و ثانيا وضع الاجتهادات بما يلائم أوضاع الجماعة.

كما يرى إن إضعاف الإسلام أتى بتغيير عادات المسلمين على مر الزمان بالترويج و الترغيب و الإغراء فلما استتب ذلك التغريب بدأ يظهر التعارض بين الإسلام و بين أوضاع المجتمع فإما يعترف بتلك الأوضاع أو يتهم بالجمود و التخلف.
و يشير الكاتب إلى إنه لا يصح إسباغ بردة الإسلام على السلوكيات الوافدة من الغرب إن كانت تخالف أصلا من أصوله و إلا أصبح الإسلام محكوما لا حاكما.
و يرى الكاتب أنه ليس المشكل في فهمنا للإسلام و لكن المشكل هو فهمنا للعصر.

و أخيرا يدعو لتشكيل تيار أساسي سائد يعترف بأنه سيكون محلا للنقد من كل المشاركين فيه و يرى في ذلك شيئا صحيا لأن أي تيار أساسي لا ينبغي أن يعطي لأي من مكوناته وجودا كاملا و إلا استوعب هذا المكون التيار بأكمله بل يجب أن يعطي التيار كل من مكوناته وزنا حسب تأثيره و وجوده في الحياة الاجتماعية، كما لا ينبغي وفقا للكاتب أن يكون هذا التيار هو المكون الوحيد على الساحة بل يجب أن يبقى بجانبه قوى أخرى قد تكون أكثر ضيقا أو تفتحا أو غلوا.

الكتاب إجمالا ملئ بالحشو و التكرار حيث إنه عبارة عن عدة أبحاث أو ورقات بحثية و مقالات كتبها الكاتب لمناسبات مختلفة و فضل تركها على حالها حين نشرها في الكتاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق