18 سبتمبر 2013

اتعلموا إحصاء!!

اكتسبت الحلقة الثانية من الموسم التاسع من برنامج خواطر الذي يقدمه السعودي أحمد الشقيري و التي عُرِضت في رمضان الماضي شعبية كبيرة في مصر، نظرا لأنها قدمت مثالا على أمانة المصريين


في النصف الأول من الحلقة يعرض الشقيري لتجربته في بعض الدول الغربية و كيف أن العديد من الخدمات هناك لا يوجد عليها رقباء. تضع المال و تحصل على الخدمة و الأمر متروك لأمانتك.
تتنوع الأعمال من شراء الجريدة إلى تذاكر الحافلات و حتى بعض الأعمال الخاصة المحدودة مثل متجر صغير يملكه أحد الشباب.

قام فريق خواطر بتجربة على حافلة في القاهرة، و كانت التجربة مشجعة. وضعوا صندوقا زجاجيا في مقدمة الحافلة و استغنوا عن المحصل و كان على الركاب وضع الأجرة في الصندوق دون أن يطلب منهم أحد ذلك. و تم تسجيل التجربة.

كانت النتيجة مشجعة جدا. 99% تقريبا دفعوا الأجرة برغم عدم وجود رقيب.

المشكلة هنا هي ما استنتجه البرنامج من أننا لا نقل في أخلاقنا عن الغرب ولا يسبقونا في التحضر الخ.

لا يعنيني كل ذلك. ما يعنيني هو ذلك التسطيح الشديد لأسس إجراء تجربة علمية.

البرنامج قام بتجربته على عينة واحدة فقط (حافلة واحدة). و هذا في علم الإحصاء خطأ فادح.
هذا يشبه أن تقوم بإلقاء عملة معدنية في الهواء لمرة واحدة و حين تسقط على الصورة تبتسم قائلا إنك لو كررت التجربة فستحصل على صورة كل مرة!!!

إن حجم العينة هو أحد الأساسيات التي يتم تقييم جدية التجربة بناءا عليها.
أيضا هنا عوامل كثيرة قد تكون مؤثرة في الاستنتاج النهائي تم إهمالها.
خط سير الحافلة، و هل يمر بمناطق راقية أم عشوائية؟
توقيت إجراء التجربة هل تمت في وقت ذروة أم في غير وقت الذروة؟
وضع الصندوق الزجاجي نفسه في مكان ظاهر للكل هل أدى لإحراج كل من يصعد إلى الحافلة؟

أدري إن الهدف من تلك الحلقات هو بث بعض التفاؤل في النفوس و إحياء الأمل و دفع الهِمم، لكن ماذا سيحدث لو أن كل شخص قيم المجتمع بناءا على تجربة واحدة فقط؟ ماذا لو أن هذه التجربة كانت سيئة؟ هل أكره المجتمع لأنني تعرضت للسرقة مرة مثلا؟ هل ترفض فتاة الزواج مطلقا إذا اعتدى عليها بعض الشباب؟

في نفس الأسبوع تقريبا، كانت هناك مقالة على الجانب الآخر 
السيد مدير المركز المصري لبحوث الرأي العام يبشرنا بأنهم قد ضاعفوا حجم العينة العشوائية التي يجرون عليها استطلاعهم ثلاث مرات من 2000 إلى 6000.
و هذا هراء مماثل في الاتجاه العكسي!

فبعد الفشل الذريع في توقع نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة اضغط هنا للتفاصيل، قرر السيد ماجد عثمان إن المشكلة في حجم العينة العشوائية التي كانت 2000 فرد.
و هنا أقول لسيادته إن عينة عشوائية من 1000 فرد فقط تكفي لتحقيق هامش خطأ 3% تقريبا!
و إن حجم العينة السابق 2000 يعطي هامش خطأ 2.2%
و إن الحجم الجديد 6000 يعطي هامش خطأ 1.3%

هذا إن تم اختيار العينة العشوائية بعناية

لتوضيح هذا، هناك مثال تاريخي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1936، حيث قامت مجلة ليتراري دايجست The Literary Digest باستطلاع رأي 10 ملايين مواطن أمريكي من المشتركين في المجلة أو ممن يملكون سيارة أو هاتفا و رد 2.4 مليون من هؤلاء و بناءا على آرائهم توقعت المجلة فوزا مريحا للمرشح الجمهوري.
و جاءت النتيجة صاعقة باكتساح المرشح الديمقراطي و الرئيس آنذاك روزفلت و لم يفز المرشح الجمهوري إلا بولايتين فقط.

2.4 مليون حجم العينة العشوائية و مع ذلك فشلت فشلا ذريعا!!!
لماذا؟
لأن تلك العينة كانت متحيزة، فقراء المجلة و من يملكون سيارة أو هاتفا في عام 1936 وقت الكساد الكبير كانوا فئة معينة من الشعب و هذا يعني عدم شمولية تلك العينة.(Selection bias)
ثم إن المجلة وقعت في خطأ آخر و هو استبعادها من الحساب الأشخاص الذين لم يقوموا بالرد على استبيانها، و افترضت إن هؤلاء لن يختلفوا في توزيعهم عن من قاموا بالرد بالفعل.(Non-response bias)
ثم إن طريقة توجيه الأسئلة في بعض الاستبيانات قد يؤدي لردود خادعة.

إن كِبَر حجم العينة هنا قام بتضخيم الخطأ بنسبة مضاعفة جدا و لم يحل المشكلة في الواقع.
في نفس العام، قامت مؤسسة جالوب باختيار عينة أقل حجما بكثير (50000) مواطن و استطاعت التنبؤ بالنتيجة الصحيحة للانتخابات و اكتسبت شهرة واسعة منذ ذلك الحين.

إن السيد ماجد كان عليه التفكير في طريقة لتفادي التحيز في نتائج استبيانات مركزه بدلا من تكليف المركز ثلاثة أضعاف التكاليف السابقة(أربعة - ستة أضعاف التكاليف المناسبة) بلا جدوى حقيقية و الذي عبر عنه في فشله الذريع في توقع نتائج انتخابات الرئاسة، و هو شيء لا علاقة له بحجم العينة الذي اختاره.

مصادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق