19 سبتمبر 2013

العَلمانية الجزئية و العَلمانية الشاملة: النظرية - عبد الوهاب المسيري

My rating: 4 of 5 stars

يبدأ الكاتب برسم خط فاصل بين تعريفين: العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة و يوضع أنه يقصد بالأولى فصل الدين عن الدولة بينما تعني الثانية فصل القيم الدينية و الإنسانية و الأخلاقية عن الحياة، و يوضح إنه لا يوجد مجتمع تقريبا إلا و فيه درجة من الفصل بين الدين و الدولة، فحتى في المجتمعات الوثنية يكون الملك شخص آخر غير كبير الكهنة، و إنه لو كان القصد ما قدمه تحت تعريف العلمانية الجزئية لربما قبِل به أعداء العلمانية في الوطن العربي طالما كانت المرجعية النهائية هي الدين.

يرى الكاتب كذلك إن أي مجتمع معرض للعلمنة و يضرب مثالا على ذلك بعملية بناء دور للعبادة حيث يخضع اختيار العمال لمعيار الكفاءة لا معيار الأخلاق و التدين.

يضرب الكاتب مثالا على ذلك بألمانيا النازية التي قررت إبان الحرب العالمية الثانية التخلص من اليهود و الغجر و كبار السن و الأطفال المعاقين لأنهم كانوا عالة على المجتمع. أي إنه بمقياس مادي بحت فإن ما فعله الألمان كان تطبيقا صارما لنظرية البقاء للأفضل!
بل إن الألمان في البداية حاولوا قتل اليهود بأسلوب "القتل الرحيم"، أي إنهم حاولوا وضع العلم في سبيل خدمة المجتمع كوسيلة لتعظيم الفائدة.

يرى الكاتب كذلك إن الاتحاد السوفييتي السابق، رغم كونه دولة ملحدة، إلا إن الولايات المتحدة التي كانت تضمن حرية العقيدة تعتبر أكثر علمانية، حيث يرى إن المدنية في هذه الأخيرة فرضت أخلاقيات السوق من عرض و طلب و كرست مبدأ البقاء للأصلح.
و يذهب المؤلف إلى إن الدعوة للإلحاد على مستوى الدولة أقل فاعلية في علمنة المجتمع من عمليات التمدن التي تؤدي لظهور مجتمعات استهلاكية و سيادة أخلاقيات السوق، و يضرب مثالا بالبطل في الأفلام الأمريكية الذي لا يتمتع بأي مرجعية أخلاقية و يستخدم العنف و السرعة و القوة لتحقيق أهدافه حيث يرى إن الرسائل الكامنة في تلك الأفلام أقوى من دعوة صريحة للإلحاد.

يشير الكاتب كذلك إلى انتشار ظاهرة التنميط المرتبطة بالحياة في المدن و الصناعة بوجه عام حيث تخرج المنتجات النهائية متشابهة تماما عكس التصنيع اليدوي الذي يؤدي لظهور سلع مختلفة و ينتقل إلى تأثير تلك الظاهرة في مجالات أخرى كموضة الأزياء و تنميط الأحلام و الرغبات، فارتبط مفهوم السعادة مثلا بامتلاك عقار و سيارة و نقود في البنك و غيرها مما يعكس إن الحرية الفردية المفترضة في الغرب لم تعد كذلك، بل أصبحت كبرى الشركات تفرض على الأفراد رؤيتها و تسعى إلى تنميطهم و تحويلهم إلى أفراد منتجين صباحا بأقصى طاقاتهم و مستهلكين مساءا للحاق بالأحلام و الأمنيات التي تفرضها عليهم تلك الشركات فرضا، فيتم تفريغ الإنسان تدريجيا من كل القيم و المبادئ عدا قيم البقاء و السعادة و إشباع الذات.

يرى الكاتب كذلك إن عملية تفكيك المنتج و تصنيعه على مراحل يقوم بكل منها عامل لا يدرك ماهية المنتج النهائي تساهم في تحييد رؤيته لعملية الإنتاج. ماذا لو كان المنتج النهائي سلاح بيولوجي مثلا؟ إنه في كل الأحوال سيؤدي عمله بنفس الجهد و الكفاءة دون النظر لماهية المنتج النهائي.

لا يفوت الكاتب الإشارة إلى إنه من الممكن تصنيف بلد على إنه إسلامي بسبب ارتباط دستوره بالشريعة لكن معدلات العلمنة فيه قد تكون أعلى من بلد دستوره ليس إسلاميا.

يعرض الكاتب مثالا عن التجربة السنغافورية التي أصبحت حلم دول العالم الثالث في تحقيق تنمية اقتصادية حيث يرى إن الدولة الآسيوية ما هي إلا سوبر ماركت كبير، مجتمع استهلاكي بعبارة أخرى، يعمل أفراده بكفاءة لتحقيق معدلات نمو مذهلة، لكن بلا هوية ولا قيمة و لا أي إضافة حضارية للعالم.
لكن في عالم يُقاس معدل التنمية بحسابات معدل النمو و مستوى الادخار و الاستثمار و ليس تحسين نمط الحياة و تحقيق العدالة الاجتماعية فإن سنغافورة أصبحت هي النموذج الحلم.

يخصص المؤلف فصلا كاملا لمحاولة وضع تعريف دقيق للعلمانية و يستعرض في سبيل ذلك تعريفات من قواميس لها شهرتها و دوائر معارف ذائعة الصيت و كذلك بعض محاولات العلمانيين في الغرب و العالم العربي، و بعد توضيح التضاد و الارتباك و عدم وجود تعريف محدد فأغلبها يتأرجح بين تعريف العلمانية الشاملة و العلمانية الجزئية، يوضح في النهاية أنه يفضل ربط العلمانية بالأمور الزمانية التي تحدث في هذا العالم في مقابل الأمور الروحانية في العالم الآخر.

يطرح المؤلف سؤالا مهما رغم إنه مر عليه مرور الكرام إلا إنه استوقفني كثيرا؛ بدون مرجعية نهائية، كيف يمكن للإنسان إدراك إن جماع المحارم خطأ؟

يعرض الكاتب كذلك لمصطلح نهاية التاريخ و كيف إن حلم فلاسفة الغرب الوصول إلى المجتمع المثالي الذي يستطيع إدراك قوانين الطبيعة و تطويعها لصالح خدمة الإنسان و رفاهيته فتنشأ اليوتوبيا التكنوقراطية التي تستطيع حتى أن تحسب أي أيام الشهر أنسب للزوجين لمحاولة إنجاب طفل صحيح متوازن، لِمَ لا و قد استطاع العلم تمهيد الطرق و تكييف الهواء، و قطع خطوات لا بأس بها بالفعل في ميدان الهندسة الوراثية.

لكن و مع ذلك فإن الكثير من الرؤى الفلسفية لنهاية التاريخ تلك في الأدب الغربي تعرض صورة سوداوية و مأساوية لتلك المرحلة، و يُلمِح الكاتب هنا إلى إنه على ما يبدو فإن الفلاسفة الغربيين قد اكتشفوا تأثير تلك المتتالية العلمانية على الإنسان في النهاية، و هو -في رأي الكاتب- ما لم يفطن له الناقلون العرب الذين يأخذون رؤى فلسفية قديمة و يتجاهلون ما تم عليها من مراجعات على مر الأزمنة.

يضرب الكاتب مثالا بالإنسان الناجح الذي يمتلك كل أسباب السعادة بحسب المقاييس الغربية لكنه يشعر أنه يفتقر إلى شيء ما، يفتقر إلى المعنى الكلي لحياته فيحاول تجربة الفشل أو عيش حياة بوهيمية أو الإقدام على الانتحار.
و يعرض المؤلف لتجربة شخصية حدثت معه حين قابل أوبنهايمر -مكتشف المعادلة التي أدت لتصنيع القنبلة الذرية- و سأله ماذا فعل حين اكتشف المعادلة فكانت إجابة العالم إنه تقيأ!!
في ذروة انتصاره العلمي، كان هناك شيء ما في داخله يدرك إن انتصاره يقتل شيئا ما في إنسانيته.
ظاهرة أخرى تدل على إن العلمانية لم تنتصر تماما في الغرب، إن الناس هناك ترفض ارتباط أحد من نخبتها بقضية لا أخلاقية كالجنس المثلي، رغم إنهم قد يتقبلونه إذا أتى من فرد عادي (في الولايات المتحدة، لابد من ظهور المرشح الرئاسي مثلا مع عائلته ليعطي الناخبين صورة رب الأسرة الناجح). إن الناس هنا بفطرتها تفرض هالة مقدسة على نخبتها مدركة إن تلك الأخلاقيات من سمات أرفع الناس شأنا.

يرى المؤلف إن أسباب نجاح النموذج العلماني هي أن جذوره كامنة في النفس البشرية، لا إنه مقصور على الزمان و المكان و الظروف في الغرب فقط و يعتقد كذلك إن كثيرا من الناس قد يعتقدون إنهم يعيشون حياتهم وفق علمانية جزئية لكنهم في حقيقة الأمر يعيشون العلمانية الشاملة.

4 نجمات فقط لطبيعة الكتاب الأكاديمية الثقيلة و بعض الحشو الذي لا داع له في رأيي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق